كان لبنان وما يزال وطناً مصدراً للأدمغة والطاقات البشرية الى الخارج.
منذ القدم والوطن الصغير ينزف خيرة شبابه نتيجة اضمحلال فرص العمل وضيق السبل الى حياة كريمة وعزيزة.
ليس الوطن الذي تآمر على شبابه ولا هم تآمروا على انفسهم، بل قلة قليلة من الشعب تحكمت بمصير وطن وشعب تبعا لمصالحها الضيقة والخاصة.
قلة قليلة نفعية مستفيدة من عوامل التاريخ وعلاقاتها مع الغزاة والمحتلين صنعت لنفسها مكانة ومقاما زائفا نقطة ارتكازهما مرتبطة بانصياعها للمحتل والمنتدب او الوصي.. قلة قليلة سيطرت على ثروات هذه البلاد، نسجت علاقات مع رجال الدين ومع السفارات ومراكز القرار، اغلقت الحلقة وحامت عن نفسها على مدى عقود وقرون عبر نقل ولائها لاولياء الامر الجدد حسب كل عصر.
صدّرت هذه القلة مزيجاً من نواب ووزراء ورؤساء، ومؤخراً مرشحين لرئاسة الجمهورية ، ومن لم يكن ينتمي اليها سابقاً، أدخلته هذه «القلة» ضمن مفهومها الدنيء للحياة السياسية من اقطاعية وعائلية وسمسرة الصفقات.
اقفلت هذه الفئة الحلقة على نفسها وتحكمت بأمورنا وحيواتنا ومصائرنا، ارتكبت وافسدت وسرقت وقتلت في مجتمعنا ووطننا وهجرت شبابنا وعائلاتنا واخوتنا من الوطن نتيجة اطماعها وانانيتها ودناءتها، واطلقت على افرادها الألقاب او أتت بها من المحتل.
رغم كل هذا التنكيل، لم ينس المغترب اللبناني وطنه. جبران كتب عنه اروع القصائد والروايات، ايليا ابو ماضي استحلف وطن النجوم ان يتذكر طفولته.. كبار رحلوا فقراء وما تنكروا لبلادهم ولأرضهم، كانوا شعراء، رجال أعمال، اطباء ومهندسين، محامين وصحفيين، أبوا ان ينسوا وطنهم، ساندوه في وقت المحن والصعوبات، حملوا لواء الدفاع عنه في أمم العالم وما تنكروا لفضله عليهم بالحياة والكرامة والعزة وعنفوان الجبل..
هؤلاء لم يأخذوا من وطنهم سوى القوت الروحي، اما انتم يا أصحاب المنافع والمصالح الشخصية أمعنتم في تدمير بنيانه الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لتحافظوا على مناصبكم ومصالحكم.
أخذتم اغلى واجمل ما تمتلكه هذه الارض ومع ذلك لم تبادلوها سوى بالقبح والعهر والفسق.
الويل لكم من جوع الفقير، الويل لكم من أنين الأم التي ليس بمقدورها اطعام اولادها، الويل لكم من المواطن الذي يموت على ابواب المستشفيات لقلة موارده وقساوتكم انتم والدهر عليه..
في ذكرى الاستقلال «المعطى»، هذا اقل ما يقال بالحفنة الحاكمة في لبنان.
وعزاؤنا في الوقت الحالي يختصر بأملنا في المستقبل وما قد يحمل معه من التغيرات ورجاؤنا انه إن لم تلقوا من يحاكمكم على الارض، فأموركم بالطبع عسيرة في السماء حيث الأولون آخرون والآخرون أولون..